الشباب اللذيذين إزيكم..جميعاً..
عبد العزيز الدرّاش ..شيخ عبده ..الدحيش ..عاشق الحتانة..هيثم ..وصاحبي حسن ..
الموضوع شيق بلا شك لأنه لامس ذكريات..وجزء من عادات أهلنا بالذات في موضوع الإعتقاد في الأولياء..
إنتا طبعاً - يا شيخ عبده يا صديقنا العزيز- أخدتا الناحية الدينية والموقف من الصوفية..وأن في القصتين محاذير..بحسب وجهة نظرك..
لاكين انا شايف الأجمل في موضوع الحكايتين هو الناحية الثقافية..وهي ناحية اراها مهمة وهي طقس الزيارة للشيخ عمر..او ود أيوب..او غيرو..وهو كما قال أخونا الدراش.. ضريح عبارة عن قلعة..وحجارة..
يعني زيارة الأولياء..هذا الطقس الذي يعكس معتقدات وعادات مجتمعنا ..يحتاج لوقفة قليلة للتمعن فيه..
(مع إنو يا شيخ عبده مناطقنا دي كلها بشكل عام..حسب ظني أن المد الصوفي فيها ضعيف ، مقارنة بمناطق أخرى في السودان..رغم انها مناطق كانت في السابق مناطق عامرة بوجود الشيوخ والأولياء..!!!)..
- والوقفة التي أقصدها طبعاً لا تعني الإتفاق معه ولا الإختلاف-
وإنما فقط تناوله في محاولة للبحث إن امكن - مع إني أتفق مع الأخ هيثم في أن الموضوع فيه جانب نفسي ساهم في تلك الإعتقادات..المربوطة بالشيوخ روحياً..
وعليه ، ما ذكره عبد العزيز في حكاياته عجبني جداً..لأنه موضوع حافل وقيم..وحقيقي الموضوع وقع لي في جرح..
لانني منذ فترة وانا مهتم بأن كل ظاهرة من ظواهر حياة اهلنا وتراثهم..فيها كثير من الجمال عندما نفحصها ونتمعن فيها..
وعليه فليسمح لي ببعض الإضافات..أتمنى ان تساهم في توسيع الموضوع وفتح جوانب اخرى فيه:
الشيخ عمر ودبلال..
وهو عَلم معروف فقد ورد ذكره في كتاب "الطبقات" لود ضيف الله المعروف والذي حققه د. يوسف فضل..وهو كتاب سرد سير الأولياء الصالحين في السودان مع بعض قصص كراماتهم..وقد اورد ود ضيف الله الشيخ عمر في عدة مقامات..حسب تقسيم الكتاب من حيث اسماء الشيوخ ومن حيث أسماء المناطق..
والشيخ عمر هو والد الشيخ حامد اب عصاة أو" اب عصاةً سيف" كما عُرف .. وايضاً عُرف بالشيخ حامد "صقر الغِبيشاء"..وكل هذه الالقاب مربوطة بقصص كراماته..وهي مذكور بعضها في كتاب الطبقات..
الغريب أن الشيخ حامد -حسب ظني- إشتهر ومعروف عند اهل السودان أكثر من أبيه الشيخ عمر كما أن قبابه في حلة جبل أم علي أعلى واكبر من ضريح والده..!!!
وهذا الكلام اقوله لأن شهرة الشيخ حامد واسعة بحسب الإعتقاد الروحي في الأولياء..حتى أنها دخلت في بعض الأغاني..ومن فنانين خارج المنطقة..(يا حامد عصاية السيف هيا للمنديل أقيف - مصطفى مضوي في أغنية "المنديل" ) مثلاً..كما ورد في بعض الدوبيت..أيضاً..
حسب ظني -والله أعلم- ان ذلك يعود لدور الشيخ حامد في تعليم الدين وخلاويه التي تتلمذ فيها كثيرون واصبحوا شيوخ في مناطق أخرى..وكذلك عمراب أم علي -لاحقاً- وتعليمهم المبكر وإنتشارهم الواسع بالسودان ساهم في نشر سيرته..
قبة الشيخ عمر..
أنا لحدي وكت قريب حتى عرفتا إنو الكُشك الاخضر الذي يقع غرب السكة حديد (شمال المُطمر) هو تحديداً ضريح الشيخ عمر ود بلال..(وهذه النقطة أكدها د. منصور خالد في كتابه "السيرة الماجدية" الذي تعرض فيه الى سيرة العمراب..فقد ذكر عن الشيخ عمر ود بلال:
((...كان يقيم الشيخ عمر ود بلال في قرية المطمر التي تبعد نحو عشرة كيلومترات من أم علي حلة الجبل، وتوفي وقبر فيها وله قبر يزار وقد شيّد فوقه الراحل الأستاذ الدرديري محمد عثمان كشكاً في عام 1953م.)))..
يعني الكشك الأخضر هو تحديداً ضريح وقبر الشيخ عمر ود بلال العمرابي..والد الشيخ حامد..والدرديري محمد عثمان المذكور هنا هو من عمراب أم علي وقد كان عضو مجلس السيادة في الخمسينات..ولعلنا جميعنا نعرف او نسمع بجنينة الدرديري..التي تقع جنوب أم علي وتحديداً عند قرب مصب "وادي الدان"..فهو نفس الدرديري المذكور..
بينما القبة البيضاء التي تقع شرق السكة الحديد -وسط المقابر- شمال المطمر هي قبة الشيخ عمر أبو سبيب وهو أحد أحفاد الشيخ حامد والشيخ عمر..فابو سبيب جد أسرة آل ابو سبيب المعروفة بالمطمر وأمدرمان..وأذكر أن الشيخ حسن ابو سبيب -القطب الإتحادي المعروف- وفي لقاء له مع جريدة الصحافة عام 2004 ..عندما سألوه عن مزجه ما بين شغل السياسة وشغل الشيوخ ذكرما يلي:
(الشيوخ دي اصلا مسألة اسرية .. نحن اسرة دينية ..انا مولود في نهر النيل في منطقة المحمية .. جعليين عمراب وجدنا الشيخ حامد ابو عصا المشهور وضريحه في جبل ام علي وجدنا ابوسبيب ضريحو في حلة المطمر في المحمية ونشأنا في جو ديني .. اباؤنا كانوا علماء من تلاميذ الشيخ محمد البدوي وعندهم مسيد وخلاوي قرآن .. المناخ ده اسهم في نشأتي الدينية...)
إذن القبة البيضاء لعمر اب سبيب والكشك الاخضر لعمر ود بلال..ولكل واحد مريدين ولكل منهم حيران ومحبين..
وقد نلاحظ ان حتى إستخدام المقابر للدفن كان -وما زال عند البعض- يتم لإعتبارات العلاقة مع اي من العمرين..فمثلاً نحن أهلنا يحرصون على ان يدفنوا موتاهم بجوار اب سبيب..في الجزء شرق السكة حديد وأقصد مقابر المطمر..بينما ناس النخل او القلعة مثلاً يدفنون غرب السكة الحديد بإعتبار أنهم عمراب يتقربون من الشيخ عمر ود بلال.
على أي حال هذه النقطة تحتاج لتصحيح من الذين يعلمون في الموضوع أكثر مني.
(* وهنا اسمحوا لي بإرسال شكري مع التحية لصديقي "الدفعة" الأمين حسن مدني..الذي صححني ولفت إنتباهي الى أن الشيخ عمر ود بلال هو والد الشيخ حامد..وكان ذلك عندما نشرت موضوعاً عن (طقوس عيد الضحية والخروف في بلدنا) على موقع التشكيليين السودانيين قبل عام تقريباً..وكنت أشرت فيه الى ان الشيخ عمر قريب الشيخ حامد..فكان لتنبيه صديقي اللمين فرصة لمواصلة البحث في بعض سيرة العمراب والشيخ عمر..وما حول سيرتهم. وبالفعل تصحح لدي كثير مما كنت اجهله..).
----------------------------------
ود ديوب..
أما في ما يخص ود أيوب..
بالفعل كما ذكر صديقنا عبد العزيز ود دراش..نحن أيضاً كانوا اهلنا الكتواب يزورونه خاصة في موضوع الجروح المرضية..وأعني تلك الحبوب التي تصيب الجسم..
كانوا يسمونه (ود أيوب ..ودّار الحبوب)..اي معالج الجروح ..وأذكر انني رأيت مشهداً مثل ما ذكره عبد العزيز..لا زلت أتذكره..حيث أنني ذهبت مع أحدهم -على ما أظن الخير محمد أحمد ..المهم واحد من شبابنا- ذات مرة الى ضريح وديوب هذا ونحنا صغار..وهو قبر عادي يقع على قلعة صغيرة..جنوب جبل اللحو وشرق السكة الحديد -جنوب الكبري تحديداً-كما اشار صديقنا الدراش..
وأذكر هناك أخد ليهو حبة تراب من المكان..ومسح بيها على جروحه..وهو يقول او فيما معناه
يابا يا ود ايوب..يا ودّار الحبوب..تبري جروحي..وعلي أزورك واقسَّم سبعة "مُطالات")..ههههه..والمُطّالة طبعاً هي حرف القُراصة..
المهم عادة ما تتم زيارة أولى يسمونها "للنديهة" والنديهة أن تنده وتنادي /مستشفعاً ببركات الشيخ وعبر بركاته في ذلك المكان..ان يصير لك كذا وكذا..
ثم يقوم المريض بعد شفائه بزيارة ود ايوب لان ذلك نذر..ومعه مجموعة أطفال ليوزع عليهم السبعة حبات قراصة دي ..كما ذكر الدراش تماماً..والغريبة أن زيارته على ما أظن تكون يوم السبت تحديداً..
ونقطة تحديد يوم معين من ايام الاسبوع لزيارة الشيخ دي بنلقاها عند شيوخ آخرين- أظن ان الشيخ نعيم (غرب كبوشية) أظن -ولست متأكد- ان زيارته محبزة يوم الأربعاء..
ودليلي على ذلك انهم يقولون (أربحات نعيم) اي يوم الاربعاء بتاعت الشيخ نعيم..كما أتذكر ان زيارة الشيخ عمر تكون يوم الأحد بالتحديد اكثر من الايام الأخرى..اقول لست متأكد لأن ذلك ربما مربوط بأيام الاسواق في كل منطقة ويوم السوق ربما تكون المواصلات أكثر سهولة.. والله أعلم.
فيا للعجب..وفي نفس الوقت يا للجمال..
حتى هذه اللحظة لا أدري في موضوع ود أيوب لماذا القُراصة..ولماذا سبعة حبات تحديداً؟؟ ولماذا تقسيمها على الأطفال تحديداً؟؟ ولا أدري من هو ود ديوب..وما هي سيرته..
ولماذا هو تحديداً الذي يذهبون إليه في حالة الجروح او الحبوب؟؟
بالتأكيد ذاكرة اهلنا الكبار تحفظ جزء من سيرته..وجزء من الحكاوي حوله..
فشكراً مرة أخرى لصديقي عبد العزيز ود دراش على حكاويك ولفتح هذه السيرة..الحافلة بالجمال..كونها تحكي جزء جميل من طقوس وعادات اهلنا..
------------
* والله يا هيثم ..قصة حبوبتكم القالت قولتها الجميلة دي
هــوي يا ناس امشــو شوفوا ليكم شغلة انا ما المرة الشقـية البتمــوت في سنــة مجاعــة ) دي مرة فارسة عديل..والقصة بتوري إنو الناس ديل مرات يشككوك في تفسير أفعالهم ..يعني هسه هل دا صلاح؟؟ ام رجالة وعدم خوف من الموت؟؟ أم ثقة في النفس..زائدة لدرجة تقرّب تلامس الكُفر؟؟ كونها مي مرة شقية بتموت هسه في سنة مجاعة..!!
ياخ ديل ناس عجيبين جداً..
مع التحايا للجميع